الصحة النفسية ودورها في مواجهة ضغوط الحياة الراهنة

الصحة النفسية ودورها في مواجهة ضغوط الحياة الراهنة
الصحة النفسية ودورها في مواجهة ضغوط الحياة الراهنة


 

بقلم: د. جيلان عبد الوهاب الحارتي – دكتوراه في الصحة النفسية

في عالمنا المعاصر، لم تعد الصحة النفسية مجرد ترف أو رفاهية نفسية، بل أصبحت من الضروريات الحياتية التي لا غنى عنها في ظل الضغوط اليومية المتزايدة. فالصحة النفسية تشكّل العمود الفقري لتوازن الإنسان، وتؤثر بشكل مباشر في قدرته على التفاعل مع التحديات، واتخاذ القرارات، والعيش بسلام داخلي.


تعني الصحة النفسية حالة من التوازن النفسي والعقلي تُمكّن الفرد من العمل بفعالية، والتواصل بشكل صحي، وإدارة انفعالاته، والتكيّف مع التغيرات والضغوط. وهي لا تنفصل عن الصحة الجسدية، بل تتكامل معها في دورة تأثير متبادل.


ضغوط الحياة وتداعياتها النفسية


مع تصاعد وتيرة الضغوط في العصر الحديث—من أزمات اقتصادية واجتماعية إلى صراعات وجودية وعدم استقرار عالمي—بات الإنسان عرضة لمشكلات نفسية متزايدة، كالاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم، والاحتراق النفسي. هذه الضغوط لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تنعكس آثارها على المؤسسات والمجتمعات ككل.


أدوات المواجهة.. وفنيات الدعم النفسي


تتجلى أهمية الصحة النفسية في تمكين الإنسان من التعامل مع المواقف الصعبة بمرونة، والوقوف مجددًا بعد كل سقوط. ولعل أبرز الأدوات التي تساهم في تعزيز الصحة النفسية ومواجهة الضغوط:


العلاج المعرفي السلوكي (CBT): الذي يعيد تشكيل التفكير السلبي ويعزز أنماط التفكير الواقعي.


تمارين الاسترخاء والتنفس العميق: التي تساعد في تهدئة الجهاز العصبي وتقليل التوتر الجسدي والذهني.


التأمل واليقظة الذهنية (Mindfulness): لاستعادة السيطرة على الانتباه وتقليل اجترار الأفكار السلبية.


تنظيم الوقت والأولويات: ما يخفف من الشعور بالعجز ويزيد من الإنتاجية.


الدعم الاجتماعي: سواء من الأصدقاء أو المتخصصين، يشكّل شبكة أمان نفسية مهمة.


النشاط البدني المنتظم: لما له من أثر مباشر في تحسين الحالة المزاجية عبر تحفيز هرمونات السعادة.


التعبير عن المشاعر: والتخلص من كبت الانفعالات، سواء بالكلام أو الكتابة أو الفنون.



نحو مجتمع أكثر وعيًا وسلامًا

إن بناء مجتمع صحي نفسيًا يتطلب نشر ثقافة الوعي بأهمية الصحة النفسية، والتخلص من الوصمة المرتبطة بها، وتيسير الوصول إلى خدمات الدعم النفسي، خاصة للفئات الأكثر هشاشة. فالمجتمع المتوازن يبدأ من الفرد المتزن، ومؤسسات العمل الناجحة تنبع من موظفين أصحاء نفسيًا، والأسرة السعيدة لا تكتمل دون توازن داخلي لأفرادها.


خاتمة

الصحة النفسية لم تعد خيارًا، بل هي ضرورة للنجاح، والاستمرار، والعيش بكرامة في عالم متسارع الإيقاع. والاستثمار في دعمها هو استثمار في الإنسان أولًا، وفي مستقبل المجتمعات بأكملها.